جريدة الأحداث الجزائرية: أغلب الأهالي يرفضون ارتباط أبنائهم بزوج معوق زواج الأصحاء من المعاقين يخلق مشاكل عائلية

أغلب الأهالي يرفضون ارتباط أبنائهم بزوج معوق
زواج الأصحاء من المعاقين يخلق مشاكل عائلية

الإعاقة الحركية المستديمة قدر محتوم تلازم صاحبها مدى الحياة ولا يمكن للشخص تغييرها وهو ما يجعل حياة من
لايصبر على قدره يعيش في جحيم لا يطاق.

قد يولد الشخص معافا من كل الأمراض والعيوب ولكن بسبب حوادث مرورية أو منزلية أو مهنية أو حتى أخطاء طبية أو انعدام الرعاية الطبية والتكفل التام بالمريض من طرف الأهل قبل تفشي المرض كالحمى لدى الرضع، تتحول حياة المصاب في لحظات من شخص سليم الى معاق حركيا يعتمد في حياته اليومية على المساعدة من الآخرين للقيام بحاجياته سيما منها التي تتطلب جهدا. والعديد من الأشخاص في المجتمع الجزائري يتعاطفون مع هذه الفئة الاجتماعية رأفة ورحمة بهم لعجزهم، بينما هناك آخرون يقسون عليم في بعض الأحيان ولا يرحمونهم، خصوصا إذا تعلق الأمر بالزواج.
فكثيرات هن الأمهات اللائي يرفضن ارتباط أبنائهم بامرأة معاقة، والعكس صحيح عندما ترتبط المرأة السليمة بزوج معاق.
تفكير الرجل في الزواج يعني تفكيرا طويلا وبحثا شاقا عن بنت “العايلة”، كما يحلو للجزائري وصفها، إلا أن هناك من تجمعه الظروف بامرأة يحبها، بغض النظر عن ظروفها وشكلها وثقافتها، ولكن الأهل يرفضونها لأنها معاقة جسديا.. لذلك التقت “الأحداث” ببعض الأشخاص الذين ارتبطوا بشريك معاق، كما قامت باستطلاع آراء بعض الأشخاص لمعرفة نظرة المجتمع.
“أنت شباب كي السبع وتتزوج بواحدة نصف امرأة”
بوزيد أول من التقت “الأحداث” به أثناء إعداد هذا الروبورتاج يبلغ من العمر 38 عاما، يعمل قابضا بالبريد بتبسة تعرف على زوجته زهية في العمل باعتبارهما زميلين في المؤسسة نفسها، إلا أن زهية كانت تعاني من إعاقة جسدية على مستوى الساق اليمنى، لذلك كانت تستعين بعصا للمشي حتى لمسافة قريبة ولا يمكنها الاستغناء عنها. أحبها بوزيد بكل جوارحه وأراد الارتباط بها على سنة الله ورسوله، فطلب من والدته أن تخطبها له، ولكن حينما أدركت من كلامه عنها أنها معاقة من ساقها، رفضت جملة وتفصيلا فكرة أن تكون زهية كنّتها، معللة رفضها بعبارة: “أنت شباب كي السبع وتتزوج بواحدة نصف امرأة”.
ورغم إلحاح بوزيد إلا أن والدته لم ترضخ لمطلبه، فقرر خطبتها بمفرده، وفعلا ذلك ما فعله، فتقدم إلى أهل زهية، لكنهم رفضوه كما رفض أهله ابنتهم. وبما أنهما تحابا، قررا أن يتزوجا دون رضا أهلهما، وهما الآن والدان لفتاة جميلة تبلغ من العمر سنة ونصف السنة، ويعيشان معا، لأن حبهما كان أقوى من الظروف والأمراض والحساسيات ومن كل شيء، حسب قولهما. وعن غضب أهلهما عليهما، قال بوزيد “إنه سيأتي اليوم الذي يرضخون فيه للأمر الواقع، لأننا لم نخطئ في حق أحد ولم نرتكب أي جرم أو إثم.. ذنبنا الوحيد أننا أحببنا بعضنا”.
أحبّت الضرير وعشقته
حد الجنون
أثرت فينا قصة بوزيد إلى حد كبير، فحاولنا البحث عن أشخاص آخرين ظلمهم المجتمع لأنهم، وببساطة، اختاروا شريكا معاقا، فجمعتنا الأقدار بسامية التي تبلغ من العمر 42 عاما، تعمل خياطة بأحد المعامل الخاصة بتبسة. تزوجت منذ ثمانية أعوام بيونس الذي يعاني من إعاقة بصرية، فهو ضرير100 بالمائة منذ الولادة، وأنجبت منه طفلين كمال والحسين سألنا سامية كيف تعرفت على زوجها، فأجابتنا: “تعرفت على يونس عن طريق الهاتف، فقد أخطأت الرقم ذات مرة، وعوض أن اتصل بابنة خالتي اتصلت به. فتحدثنا قليلا وبعدها اعتذرت منه عن الخطأ ، إلا أنه أعاد هو الاتصال بي بعد مرور حوالي نصف ساعة، وبدأنا نتعارف على بعضنا البعض عن طريق الهاتف وشيئا فشيئا أحببنا بعضنا دون أن نلتقي. ويوم قررنا الالتقاء أخبرني أنه ضرير، وأنه يريد قطع العلاقة، لكنني أصررت على مقابلته لأتعرف عليه عن قرب. وحين جاء اليوم المنتظر جلسنا في إحدى قاعات الشاي، تحدثنا مطولا والمفاجأة التي قد لاتصدقوها أنني كنت أنا من عرض عليه فكرة الزواج، لأني أحببت روح يونس بكل جوارحي وليس شكله ولم أهتم بإعاقته البصرية. تردد يونس في البداية خوفا أن أندم بعد أن نرتبط، إلا أنني ألححت عليه، لأني أعلم أني لن أكف يوما عن حبه. وحين حدثت أهلي في الموضوع رفضوا حتى مجرد الفكرة، لأن يونس معاق وأنا امرأة سليمة، إلا أنني لم أتراجع عن موقفي، وبقيت مصممة على رأيي، إلى أن أقنعته ووافق والدي، بل إنه ساندني وأقنع باقي أفراد العائلة، وها أنا اليوم زوجة يونس كما حلمت أن أكون دوما، بل أبعد من ذلك، فقد تكلل زواجنا بطفلين جميلين ونحن نعيش حياة سعيدة وهو يعتمد علي في كل شيء والمرأة التي بها يرى طعم الحياة وحلاوتها”.
المجتمع بين معارض ومؤيد
الشهادات التي سمعناها جعلتنا نتقرب من بعض أولياء الأمور وسؤالهم: هل يقبلون أن يرتبط أبناؤهم ويكملوا نصف دينهم مع أشخاص معاقين، فكانت الإجابات متباينة. وكانت خديجة أول من تحدثنا إليها.. تبلغ من العمر 62 سنة، وقد رفضت فكرة ارتباط أحد أبنائها بشخص معاق مهما كلف الأمر، حتى ولو بقي الشاب أعزب والفتاة “بايرة” طيلة العمر، وحجتها في ذلك أن كل واحد يتزوج بشخص يشبهه ويماثله في الظروف. ولم يختلف رأي سعاد كثيرا عن رأي خديجة، فهي تعتبر أن زواج أحد أبنائها بشخص معاق أمر يسبب له الأسى والمعاناة طيلة حياته، لأنها أجبرت منذ الأيام الأولى من زفافها أن تعتني بحماتها المقعدة، الأمر الذي سبب لها الكثير من العذاب، لذلك ترفض أن يرتبط أبناؤها بأشخاص معاقين.
من جهة أخرى كان لعمي محمد رأي آخر في الموضوع، فعبّر عنه قائلا: “إن المعاق إنسان مثل أي شخص آخر، وله الحق في أن يحب وأن ينجب، لذلك أنا أعتقد أن كل من يرتبط بمعاق فإنه إنسان نبيل وسيأجره الله، لأنه ساند ذلك الذي تفاداه الكثيرون”. ق. م