مقتطفات من كتاب مع الأئمة للدكتور سلمان العودة

من طرف نوفل الإثنين ديسمبر 10, 2012 12:25 am

]وجود الأئمة الأربعة مرحلة فاصلة، تمثلت فيها قيمتان عظيمتان: الأولى: الحفاظ على الهوية، وترسيخ
الالتزام بالإسلام، عقيدة وعبادة وسلوكا ونظام حياة، الثانية: الانفتاح على المتغيرات الطارئة، التي
هي سنة الله في الحياة
**
صحيح أن لكل إمام أتباعاً يختصون به، ولكن بالنظر إلى الأصول العامة للإيمان، والأصول العامة
لقواعد الاستنباط، فهي محل اتفاق بين الأئمة في الجملة، وهذا يعني أن الأمة اتبعت كل هؤلاء الأربعة
اجمالاً، وإن كانت تفرقت بينهم في التفصيل والعمل الفقهي
**
جاء اسحاق بن بهلول بكتاب إلى الإمام أحمد، وقال:جمعت فيه الخلاف، وسميته"كتاب الأختلاف".
فقال لا تسمه كتاب الأختلاف،سمه كتاب "السعة"
**
إن هذه العقلية المتفتحة على الاختلاف، أبعد ما تكون عن الأُحادية أو الضيق أو القطع بما لديها، مما
هو محل احنمال وليس من باب القطعيات، ومثل هذا هو الذي يسع الناس، ولا يفتنهم في دينهم، أو
يضيق عليهم في دنياهم
**
ولئن كان هؤلاء الأئمة ظهروا في عصر استثنائي، فإننا نعيش اليوم عصراً استثنائياً في متغيراته
ومستجداته، وكشوفه وبلواه، مما يؤكد ضرورة وجود علماء مجتهدين كهؤلاء لأئمة، يجيبون على أسئلة العصر، ويحلون مشكلاته،ويقدمون الصياغات الشرعية الملائمة للواقع والحال
**
كما كان العلم والفقه معنىً مشتركا بين الأئمة الأربعة، فقد اشتركوا أيضاً في المحنة والابتلاء، وخرجوا منها
ذهباً خالصاً غير مشوب وكان عاجل بشراهم القبول الذي شربه الناس مع الماء، وتنفسوه مع الهواء "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".الجمعة4
**
قيل للشافعي: أيهما أفضل للرجل، أن يُمكّن أو يُبتلى؟ فقال:" لا يمكّن حتى يُبتلى".
**
سأل أحمد بن حنبل مرة بعض الطلبة: من أين أقبلتم؟ قالوا: من مجلس أبي كريب. وكان ينال من الإمام أحمد
وينتقده في مسائل، فقال: اكتبوا عنه؛ فإنه شيخ صالح. فقالوا له، إنه يطعن عليك؟! قال: فأي شيء حيلتي؟!
شيخ صالح قد بُليَ بي
**
عاش الأئمة الأربعة رحمهم الله في زمن متقارب: فأولهم وأقربهم إلى عهد النبوة: الإمام أبو حنيفة النعمان
بن ثابت: وهو اليوم وقبل اليوم أكثرهم تابعاً، وقد تبنته الدولة العثمانية كمذهب رسمي، فانتشر في كل البلدان
التي بسطت نفوذها فيها وثانيهم في الترتيب التاريخي، الإمام مالك بن أنس، وثالثهم الشافعي وآخر الأربعة
أحمد بن حنبل سمع من الشافعي وأخذ الشافعي عنه
**
أخذ بعضهم عن بعض، إما مباشرة، كما أخذ الشافعي عن مالك، وعن أحمد،وكما أخذ أحمد عن الشافعي،أو
بطريقة غير مباشرة كما أخذ أحمد عن أبي يوسف ووكيع ويزيد بن هارون، وهم من تلاميذ أبي حنيفة
**
قال ابن أبي عمر العدني: سمعت الشافعي يقول:"مالك مُعَلّمي، وعنه أخذت العلم".
**
وكان أحمد بن حنبل يقول لولد الشافعي محمد بن محمد:"أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم وقت السحر".
**
وما أخلق أتباعهم من جماهير المسلمين بأن يحافظوا على هذا المعنى، ويجعلوه أساساً في العلاقة بينهم،
فلا تفرقهم الأهواء والنزعات.
**
نلحظ ملازمة أحدهم لشيخ يتخذ الطلب عنده أساساً لحياته العلمية والسلوكية، مع الاختلاف إلى غيره.
**
قال القعنبي: سمعت مالكاً يقول:"كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه".
**
وقال عبدالله بن نافع:" جالست مالكاً أربعين أو خمساً وثلاثين سنة".
**
الملحوظ أن أيا منهم لم يقبل ولاية رسمية للقضاء أو للمظالم أو غيرها، وهم في حقيقة الأمر يمثلون الطريق الثالث
بين مجموعة السلطة ومجموعة المعارضة، وهذا يمكنهم من أداء دور ريادي في حفظ التوازن داخل المجتمع
بين مكوناته المختلفة من سلطة وشعب، وتيارات فكرية وعلمية،وانتماءات عرقية وقبيلية، واختلافات مذهبية
**
من نافلة القول أن آراء هؤلاء الأئمة لم تكن نشازاً بالنظر إلى ما قبلها، فهي محصلة الموروث الفقهي
السابق، يضاف إليه آراء واجتهادات جديدة لم يسبقوا إليهافي مسائل ونوازل، بل في التأصيل والتقعيدذاته،لذامن
الخطأ الزعم بأن أقوالهم تنسخ ماقبلهاوتلغي ماسواها
**
التعويل على فقه الأربعة أو من عاصرهم،وجاء بعدهم، لا يعني التشهي في الانتقاء، فالعبرة بالدليل قبل
غيره،وتعدد الأقوال لا يعني أن نتخير دون نظر أو تمحيص، فهذه بوابة التعصب التي نهوا عنها وحذروا منها
**
والأئمة وإن كانوا من أوعية العلم وأساطين الرواية، إلا أنهم لم يدعوا العصمة لأنفسهم، ولا ادعاها لهم
أتباعهم؛ ولذا تجد في أقوالهم واجتهاداتهم ما هو مرجوح؛ لمخالفته ظاهر الدليل، مثل هذا لا يجوز
التمسك به إذا ظهر للتابع ضعفه
**
التردد في مقام الأئمة بين افراط وتفريط نجم عنه اضطراب في الموقف من المذهب، ما بين متعصب يحصر
الحق في مذهبه، ويقاتل دونه بلسانه وبسيفه إذا لزم الأمر، وما بين صاد عنه، يرى أنه حكم بغير الشريعة،
ويبالغ في الشناعة على أتباعه المقلدين
**
كان عبدالله بن أحمد يصف والده بأنه أصبر الناس على الوحدة، وكان يقول"رأيت الخلوة أروح لقلبي".
**
ويقول ابن حنبل أيضاً:"أشتهي ما لا يكون! أشتهي مكاناً لا يكون فيه أحدٌ من الناس".